السبت، 24 نوفمبر 2012

لقاء قد يكتمل


كان يمشي مسرعا ً ، حين تلاقت نظراته بنظراتها لم يحفل لنظرات ملئها الشوق ، حيث كان حينها مشغولا ً بالانتظار باب احد ابنية المستشفى ليستلم شهادة موت امه وليتسنى له دفن جثتها ودفن روحه معها .

مشغول هو بشيء ما سيجعله من لحظة شهقات أمه الاخيرة لغاية مماته وحيدا ، وان كثرت من حوله الناس وان التفت حوله عبارات الحب والدفء .

حضر صلاة الجنازة وسار مع الناس ليواري جثمان امه وليدفن معها كل احلامه ، طموحاته ، انجازاته ومحاولاته الكثيرة غير الناجحة .

صمت الناس من حوله وبكى هو بحرقة لفقدانه نفسه مرتين.

ماتت امه وماتت روحه ، روحة التي عادت للحياة بعد فترة طويلة من ممات ابيه الذي تركه ووالدته ينفضون هموم الحياة ومتاعبها بسيجارة الايمان .

لمن سيعيش ؟ فمن هذه اللحظة هو مولود جديد، جنين في جيل الشباب .!!

من سيقدم له وجبات الحنين ليكبر ؟! ومن سينشد له تهاليل الصبر قبل نومه في ليالي الشتاء الباردة الطويلة الفقيرة ؟!!!!

الف سؤال وسؤال ايقظوا عقله الواعي واللاواعي ، لم يؤرقه ويخيفه من هذه الاستفهامات سوى ان ينسى  لفظ اسمه بعد نداء امه المتكرر له " يا يُمّا يا صابر " .

هو يصبر على كل شيء الا ان لا يسمع رنين صوت اسمه او ان يناديه احد ما بالخطأ "فرح" مثلا .

ان اسمه هو سر متين لضمان تنفسه في هذه الحياة ، هو صابر في الالم ، صابر في الوحدة ، صابر في الفشل ، صابر في الحزن ، صابر عند  عتبة محاولات النجاح الكثيرة ، صابر عند محاولات الفرح المتكررة ، وصابر على متاعب كثيرة  في بحثه عن كسرات خبز يابسة.

خرج من المقبرة طفلا شابا صابراً ، مشى فهرول فركض وقبل ان يصل لكوخه الصابر اكثر منه ، استوفه صوت انثى قائلة : "يا اخي ، يا اخي ، استنى شوي لو سمحت " ، أجابها بغضب ثائر : اسمي صابر انا اسمي صابر لو سمحتِ .

اجابت بهدوء متوجع  : انا اسمي كريمة يا صابر .

التفت ليحاور وجهها ويسأل عن غايتها ، ففوجئ بالعينين نفسهما اللتان قابلهما حين كان يجهز اجراءات دفن امه نك

لم تتعبه كريمة ولم تنتظر ان يسألها لتجيب ، بل وقفت أمامه ككتاب مفتوح قائلة : منذ ان توفيت والدي وانا دائمة الذهاب الى المبنى الذي شهدت جدرانه شهقات امي الاخيرة .

الجدران التي أوقدت في ذاكرتي وروحي مصير الوحدة في قصر ملئ بالزخرفة والكآبة ، قصر غني بكل الزخرفات وفقير جدا بالدفء الانساني .

قهقه صابر بكل ما فيه من صبر ووجع ، قائلا ً : اظن انكِ بحثت عن العنوان الخاطئ ، فجريمة يا كريمة ان يجتمع الوجع مع الوجع احيانا ، فأنا الآن لا استطيع ان اكون الا مع نفسي ، فدعيني أتصبر مع روحي المفقودة ، واذهبي انتِ وابحثي واسرقي الدفء من زخرفات قصرك المليء الفارغ .

حتما يا كريمة ستجدين الدفء بعد برد كبير تعيشينه.

بالتأكيد ايضا انا الصابر  كل ما ابحث عنه  .

وقد نلتقي يوما ما يا كريمة في اجواء دافئة اكثر وفي ارواح صابرة اكثر .






..

هو لا يشبه هي (مفارقة اجتماعية )


هو ينتقل بين الكتاب والكتاب ، يتذوق الفلسفة ، يعيش بدستور ديني ذو طابع منفتح على آراء العالم المتناقضة ، يفكر كيف سيُّفهِم طفله الصغير تناقضات الحياة السعيدة بحزنها .!!


كيف سيذوت بداخله القيم المثلى ؟ !

من سكرة افكاره يصحو على بكاء طفله ، فياخده من  سريره ويحتضنه مدندنا  له بالحان روحه الرقيقة وطموحاته البريئة ، بالوقت الذي تنشغل فيه زوجته باعداد طعام الغذاء  والحيرة تأخذها يمينا وشمالا متسائلة بينها وبين نفسها عن الطبق الانسب لعشاء اليوم .

يجهزُ الغذاء ، يصمت هو وتتحدث هي ، ما رأيك بالطعام حبيبي ؟؟ يجيب بصمت هادئ : لذيذ جدا ، سلمت يداك .

تصمت هي بكل ما تملك من عفوية بريئة، بينما يصمت هو بأفكاره المبعثرة المتعبة وينطق لسانه متسائلا ؟ : كيف سنربي  ابننا في مجتمع متعددة الوانه ؟؟!! كيف سيكبر في تناقض مريض ؟؟!! كيف برأيكِ سنساعده للحفاظ على هويته / لغته / عاداته ؟

 هي تجيبه مسرعة : كما يربى الجميع سيربى ابننا ، لماذا  تُعقد الامور هكذا ؟ تنهي رأيها بسرعة وتسأله ان كان يريد ان تسكب له المزيد من شوربة الخضروات  في طبقة ، الشوربة ذاتها التي تمدح نفسها كثيرا بقدرتها الممتازة  في اعدادها .

يجيبها هو : شبعت ُ كثيرا، شكرا  شكرا يا ام طفلي .




يدخل غرفته ويصغي  لنفسه فلا قلب ولا روح ينصتا له في هذا البيت ، تتشابك في رأسه الافكار وتسكن الحيرة في  شرايينه ، لا شيء يُحّركهُ سوى  شاشة التلفاز المطلة منها  زوجة غاضبة من زوجها الذي لم يحضر لها كتاب في التنمية البشرية ، الكتاب الذي ما زال يُؤجل شراءه منذ  شهر مستذرعا  ان الراتب بالكاد يكفي طعماهم وشرابهم وبالكاد يستطيع احضار معدات الشوربة الفاشلة هي بنظره في اعدادها .

أزاح الزوج نظره عن شاشة  التلفاز ، وناقش فكرته الاخيرة قبل القيلولة :

أي من الزوجين يا ترى اسعدهُ القدر؟

كتاب تطوير الذات استظرفه ، لكن الشوربة اللذيذة باتت فرضا اتشتت  من دونه ، بدون الشوربة قد لا افكر بما افكر به الآن ..

لولا طبق الشوربة قد لا اكون ما انا عليه الآن ..

السبت، 17 نوفمبر 2012

على شرف الارادة ..


لكل منا مشاكله ، همومه ومعاناته ، كل منا يحاول النقاش مع نفسه او مع غيره ، يا ترى أأملك الامور الاكثر تعقيدا  ؟؟ لو كنت أملك قليلا من هذا او ذاك لحققت ُ أكثر مما أنا عليه ..

أحقا " لو" كنت أملك اكثر " لحققت اكثر ، أشك بهذا !!

كل ما يستطيع الانسان السيطرة عليه هو المسؤول  عنه بنسبه كبيرة أو حتى  وان ولم يكن قادر السيطرة عليه فان الصراع معه أسهل (الفقر ، الظلم ) امور صعبة للغاية لكن العلاقة معها تبقى علاقة حرب خارجية ..

اما مع المرض فالحرب هي حرب أهلية صعبة وشرسة ، من سينتصر ؟ لا ادري ؟ العلم عند الله ، المرض شرس يحب الاستيلاء على نفس ضعيفة ! !

أما انا فمنذ تسعة اعوام وأنا اروض نفسي على القوة لأقابل شراسة المرض بعناده اكبر .

وكل يوم أكتشف شراسته اكثر  واكتشف عنادتي أكثر  ..

اليوم فهمت استغرابات البعض وسؤالهم المتكرر عن سر صمودي ، اليوم أحببت ُ نفسي اكثر من قبل ، اليوم عانقت الامل المنثور بداخلي وأهديته عطر المطر ، اليوم اعتذرت له عن ألم كبير جدا بحجم كل ما في الكون ، اليوم احببت اكثر دراستي عن بعد  انا والكتب وجدران الغرفة وبعض المحاضرات المبعثرة هنا وهناك والمطلة من شاشة الحاسوب ..

اليوم اكثر فهمت استراتيجية الجسد المريض وتلاعب المرض به ، استوعبت اكثر كل ما مررت به وما امر به ، واخترت ان أبقى بتعادل معه ، هو شرس وانا عنيدة عنيدة حد الشراسة وبالذات معه ، حتى يكتب الله لنفسي النصر و له الزوال

اليوم سيمدني هذا المطر المتخبط في الخارج لمسات قوة وحنان واصرار ورضى  لكل الامور المتواضعة التي وصلت اليها ، لأتنفس منها رضى ولأطلب من نفسي المزيد المزيد  الذي اريده لكن برقة اكثر وبعذوبة اكبر ..

شكرا ربي على هديه ضمت بداخلها تعب كبير ، شكرا نفسي على محاولتك الدائمة للمكوث في المنطقة الرمادية ..